يعد علي عبد اللطيف هو أحد الشخصيات البارزة في الحركة الوطنية السودانية خلال الربع الأول من القرن العشرين، قاد ثورة 1924 ضد الاستعمار الإنجليزي للسودان عبر جمعية اللواء الأبيض التي أنشأها مع عبيد حاج الأمين وآخرين في عام 1923.
وقد شغل منصب رئيس الجمعية وقدم للمحاكمة مرتين، الأولى في عام 1924 بتهمة التحريض علي المظاهرات التي انتهت بالحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة سنوات، والثانية في عام 1925 لتأسيسه مع آخرين جمعية اللواء الأبيض المحظورة وحوكم فيها بالسجن لمدة عشر سنوات ونفيه إلى مدينة واو بجنوب السودان ثم نقل إلى مصر حيث توفي هناك.
وعن نشأته فقد ولد علي عبد اللطيف في مدينة وادي حلفا في عام 1896م وكان والده عبد اللطيف أحمد الذي ينتمي إلى قبيلة النوبة الميري من جبل ليما بجنوب كردفان ، وأمه واسمها النصر زين تنتمي إلى قبيلة الدينكا قوقريال، فرع دينكا ريك، بجنوب السودان.
شبّ علي عبد اللطيف في جو مشبع بالعسكرية وسط ثكنات الجيش ومعسكرات تدريباتهم، حيث كان والده جندياً بالأورطة الثالثة عشرة السودانية التي تتبع للجيش المصري. وبعد استعادة مدينة الخرطوم من قوات المهدية بواسطة القوات البريطانية في 5 سبتمبر 1898 م انتقلت الأسرة للعيش هناك في حي «هبوب ضرباني» الذي كان يقع خلف حي «الترس» المشهور آنذاك بالخرطوم.
وبعد أن أحيل والده للمعاش في عام 1908 م، انتقلت العائلة مع عائلات بعض الجنود الآخرين المتقاعدين إلى مدينة الدويم بمنطقة النيل الأبيض لإستغلال قطعة الأراضي الزراعية التي منحت لهم للإعاشة عليها، لكن لم يرق للفتي علي عبد اللطيف جو فلاحة الأرض فغادر الدويم إلى الخرطوم.
إلتحق علي عبد اللطيف بالخلوة في الخرطوم حيث تعلم مباديء الكتابة والقراءة وحِفْظ سور القرآن الكريم. وأقام هناك مع خاله ريحان عبد الله الذي كان ضابطاً ومدرساً حربياً في مدرسة ضرب النار بحي بُرِّي في الخرطوم. ثم دخل عليّ القسم الابتدائي بكلية غوردون التذكارية ( جامعة الخرطوم حالياً) . وعرف باجتهاده في تحصيل العلم وتفوقه الدراسي واجتاز امتحان القبول بالمدرسة الحربية المصرية. ونسبة لخلفية اسرته العسكرية واحرازه لنتيجة عالية في امتحانات الكلية فقد تم قبوله تلميذا حربياً بالمدرسة الحربية المصرية في عام 1912م.
تخرج علي عبد اللطيف في المدرسة الحربية المصرية عام 1914م وعمل بعد تخرجه جندياً في مدينة أم درمان ولكنه لم يلبث فيها كثيراً حيث تم نقله إلى الجبال الشرقية بجبال النوبة في جنوب كردفان في منطقة تلودي، ثم إلى حامية الفاشر بشمال دارفور حيث قضى فيها فترة من الزمن، نُقِل بعدها إلى مدينة رمبيك ببحر الغزال، ومن ثمّ تمّ تعيينه مأموراً. وفي عام 1918 م نُقِلَ إلى مدينة ود مدني وترقى إلى رتبة ملازم أول وأظهر في ود مدني نشاطاً أدبياً ملحوظاً. وكان يحضر في إجازاته إلى أم درمان حيث اصبح عضواً نشطاً في نادي الخريجين هناك، إلا أن ثمة حادثة مهمة تعرض لها في ود مدني عام 1921م، كانت ذات وقع كبير على نمط حياته فقد التقي مصادفة وهو في الطريق العام ممتطياَ صهوة حصانه بمفتش إنجليزي وجرت العادة على ينزل السودانيون في مثل هذه الحالة من ظهور دوابهم تحية للضباط الإنجليز، إلا أن علي عبد اللطيف لم ينزل عن صهوة حصانه لأداء التحية باعتبار ذلك أمراً مبالغاً فيه مقصود وينطوي على إذلال، مما أثار استياء المفتش الإنجليزي وحنقه. فتم استدعاء علي عبد اللطيف وإحالته إلى محكمة عسكرية سريعة لمحاسبته نقل على إثرها إلى أم درمان للعمل في وحدة عسكرية أقل درجة من رتبته العسكرية القيادية كعقاب له.
تزوج علي عبد اللطيف بالسيدة العازة محمد عبد الله في عام 1916 م وأنجبت له إبنته الأولى نعمات في عام 1918 م، ثم إبنته الثانية سِتَنّا في عام 1924 م، والتي توفيت عام 1987م. وقد لعبت السيدة العازة دورا بارزاً في النشاط السياسي لجمعية اللواء الأبيض، ابتداء من قيامها بحفظ الوثائق السرية، ثم دورها كحلقة وصل بين زوجها ورفاقه ومن بينهم عبيد حاج الأمين خلال فترة سجنه فضلاً عن مشاركتها في مظاهرات عام 1924 ممثّلة للنساء المناضلات في تلك الفترة.
بمرور الوقت نما داخله شعور وطني واهتمام بالعمل السياسي فتقدم في مايو 1922 م بمذكرة مفتوحة في شكل مقال سياسي إلى جريدة «حضارة السودان» تحمل عنوان مطالب الأمة تتضمن انتقادات لسياسة إدارة الحكم الثنائي إزاء السودان بغرض نشرها، إلا أن رئيس تحرير الصحيفة حسين شريف، تردد في نشر المقال الذي تمكنت المخابرات الإنجليزية في نهاية المطاف ان تضع يدها عليه. وتم اعتقال علي عبد اللطيف وتقديمه إلى محكمة برئاسة مفتش الخرطوم البريطاني ماكنتوش، .
عبر عبد اللطيف في المقال عن احتجاجه على سياسة الحكومة الاستعمارية معددا بعض المظالم ومنادياً بتقرير المصير، . وتضمنت مطالب الأمة التي ذكرها في مقاله إلغاء احتكار الحكومة لسلعة السكر والمواد التموينية الأخرى، والمساواة بين الموظفين السودانيين وغيرهم من الموظفين الإنجليز والمصريين ومنح حق تقرير المصير للسودانيين. أُعتُقِل علي عبد اللطيف وقدم للمحاكمة. واثناء المرافعات أجاب عبد اللطيف إجابة أشتهرت فيما بعد في السودان عندما سأله القاضي عن قبيلته التي ينتمي إليها. وأجاب أنا سوداني، ورفض التحدث عن قبيلته. تمت إدانة عبد اللطيف وحوكم بالتجريد من الرتبة العسكرية والسجن لمدة عام والذي خرج منه في عام 1923 م ليؤسس حركة سياسية قادت أول مظاهرة ضد الحكم الثنائي في السودان.
وفي مايو 1924 أسس علي عبد اللطيف جمعية اللواء الأبيض . وانتشرت لها بنهاية الشهر نفسه عدة فروع في مختلف مدن السودان الشمالية. وبدأت التظاهرات التي نظمتها الجمعية في التواتر: الخرطوم في 17 يونيو ثم أم درمان في 19 من الشهر ذاته. وفي 23 أشهرت الجمعية علمها وشعارها. وكان العلم أبيض اللون يتوسطه رسم تقريبي لحوض النيل مع رسم للعلم المصري بهلال والنجوم في الركن الأعلى من العلم وكُتِبَت تحته عبارة «إلى الأمام » باللغة العربية. وقد بلغ أعضاء الجمعية ومناصريها حوالي الألفي شخص.
وفي أغسطس 1924 م تم اعتقال علي عبد اللطيف مرة أخرى ومعه قادة جمعية اللواء الأبيض وتم تقديمه في فبراير 1925 م، إلى محكمة جنائية كبرى علنية وحوكم علي عبد اللطيف ورفقاه ونفى علي عبد اللطيف التهم ووجهت إليه المحكمة اسئلة حول نشاط الجمعية وصلتهم برئيس الحزب الوطني في مصر سابقاً حافظ رمضان عندما زار هذا الأخير السودان قبيل حوادث عام 1924، وعن المظاهرات التي خرجت حينذاك. وأكد عبد اللطيف للمحكمة رئاسته للجمعية، والتقائه بحافظ بك رمضان في الخرطوم وتمت إدانة المتهمين بمن فيهم علي عبد اللطيف بالتهم المنسوبة إليهم وصدرت ضدهم أحكاماُ بالسجن لمدد مختلفة حوكم علي عبد اللطيف بالسجن لمدة عشر سنوات ونُفِيّ مع كل من عبيد حاج الأمين وعلي البناء ومحمد المهدي الخليفة إلى مدينة واو بمديرية بحر الغزال في جنوب السودان . ثم أطلقت الحكومة سراح جميع المسجونين بموجب معاهدة عام 1936م بين مصر وبريطانيا وكان من بنودها العفو الشامل عن جميع المسجونين السياسيين. ولم يشمل العفو علي عبد اللطيف الذي نُقِل مرة أخرى إلى سجن كوبر في الخرطوم بحري وبقي فيه حتى عام 1938 م حيث تم نقله سرا إلى مصر بناء على طلب من الحكومة المصرية، بحجة إصابته بالجنون لتقوم السلطات المصرية بالإشراف على صحته النفسية والعقلية.
توفى علي عبد اللطيف في 29 أكتوبر 1948 م في مستشفى القصر العيني في القاهرة بمصر، وعندما جاءت ثورة يوليو 1952 م تم نقله بناء على طلب من رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد نجيب إلى مقابرالشهداء بمصر.