قال فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن اسم الله “العفو” ثابت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، مأخذه من الصفح والسماح، فمخالفة العبد لله تكون فى اقتراف الذنب، ويكون ذلك إما بارتكاب ما نهى الله عنه أو التقصير فيما أمر به.
وأوضح فضيلة الإمام الأكبر خلال برنامجه الرمضاني “حديث الإمام الطيب” المذاع على قناة الحياة، أن الذنوب نوعان: الكبائر مثل القتل والزنا وشرب الخمر والتولي يوم الزحف، ومن كرم الله أنها محدودة ولا يقترفها إلا المجرم أو شديد التجاوز لأمر الله أو نهيه، أما الصغائر فيكاد يجمع المسلمون على أن اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، قال سبحانه «إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم».
وبيّن فضيلته أن الإنسان محوط بالنقص من هوى ونفس وشيطان، والله سبحانه يعلم ذلك وهو عفو غفور، موضحًا أن عفو الله يعني محو الذنوب وإسقاطها عن العباد، فمن فضل الله على العبد أنه يُسقط هذا العقاب بعفوه، وبالتالي يجب على العبد التوبة و الندم فهي التي تشكل حاجزا طبيعيا يندر جدا معه أن يعود إلى الذنب مرة أخرى.
وأضاف شيخ الأزهر أن المسلمين تقريبا أجمعوا على أن الله عفو عن عباده، بمعنى أنه يمحو ذنوبهم وهذا محل اتفاق، إلا من شذ من الخوارج ومن طائفة المعتزلة وهؤلاء مرفوضون قديما وحديثا، لافتا إلى أننا لا نكفرهم ولكننا نرفض هذا الفهم، لأن هذا يفرغ هذا الاسم الكريم العفو من فحواه ومضمونه، مشددا على أن أمر الخوارج معروف وهم في الأصل جماعة سياسية لبست ثوب الدين، ومن يومها أسسوا بعض الأحكام الخاطئة المغلوطة وقدموها مبررًا لإراقة دماء المسلمين، لافتا إلى أنه في بعض فترات التاريخ تُستدعى هذه الأحكام لتمرير حركات سياسية.
وبيّن فضيلته أن الكارثة في “الخوارج” تكمن في أنهم كفروا مرتكب الكبيرة، وهذه هي الكارثة الأولى التي حصلت قديما وتحصل حديثا، لأن الكفر ليس ضد عمل، فمن زنا ومن شرب الخمر فليس كافرا، لأن الكفر في الحقيقة يكون ضد عمل قلبي، وضد الايمان، فمن أنكر الملائكة، ومن كذب الرسول، ومن كذب القرآن هذا هو الكافر، لكن تارك الصلاة والزكاة والصوم حتى القاتل ليس كافرًا رغم أن الله سبحانه قال:” ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم”.
وفي سياق الحديث عن المعتزلة أوضح شيخ الأزهر أن المعتزلة رأوا أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا ولا كافرا ولكنه في منزلة بين المنزلتين، ويسمونه بالفاسق، وهو أمر مرفوض، لأن العفو لديهم ليس مفعّلا.
وبيّن شيخ الأزهر رأي جمهور أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية والسلفية المعتدلة في مرتكب الكبيرة الذين رأوا أن من يرتكب الكبيرة وتاب إلى الله قبل الموت تاب الله عليه وعفا عنه، مستدلين بقوله تعالى: «إن الله يغفر الذنوب جميعا»، لافتين إلى أن من تغلب حسناته سيئاته بإجماع المسلمين معفو عنه، أما من يرتكب الكبائر ويصر عليها ويموت دون توبة فلم يقولوا إنه في النار ولكن أمره مفوض إلى الله رغم أنه مات وهو مصر على كبيرة.
واختتم شيخ الأزهر حديثه بأننا في الأزهر نُدّرس كل هذه المذاهب المختلفة، لتعليم طلابنا قيم الاختلاف وقبول الآخر، لكننا مع مذهب أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الأشاعرة، لأنه يحفظ الدماء ويعصمها، فهل يعقل بعد كل هذا: دعوى أننا نخرج طلبة يرددون أفكارًا تكفيرية، لكنهم يزعمون ذلك بهدف النيل من الأزهر.