عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري منذ عام 2014، يُعد من أبرز الشخصيات التي أعادت
تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي والأمني لمصر. صعوده إلى السلطة لم يكن حدثًا عابرًا،
بل فصلًا مفصليًا في تاريخ البلاد، حيث أرسى معايير جديدة للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وأعاد
تعريف السياسة الداخلية والخارجية هذا المقال يستعرض مسارات حكم السيسي عبر ثلاثة
محاور رئيسية: المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية، الأمن ومكافحة الإرهاب، والدور الدولي والدبلوماسي.

صعود عبد الفتاح السيسي: من الأزمة إلى السلطة
جاء صعود السيسي في أعقاب سنوات من الاضطراب السياسي الكبير، بدءًا من ثورة 2011،
وصول الإخوان عام 2012، ثم أحداث 2013. اعتمد الرئيس منذ البداية على المؤسسة العسكرية
كضامن للاستقرار، ما شكّل قاعدة سياساته الداخلية. لكنه ليس ظاهرة عسكرية فقط؛ فهو أيضاً
مهتم بالرموز الوطنية والثقافية، مستفيدًا من التاريخ لإضفاء شرعية على حكمه وتعزيز الهوية الوطنية.

البنية الاقتصادية والمشاريع الكبرى: الإنجازات والتحديات
شهدت مصر تحت قيادة عبد الفتاح السيسي تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة، شملت مطارات ومحاور طرق،
وإنشاء مدينة إدارية جديدة، ومشروع المتحف المصري الكبير كرمز ثقافي وسياحي. هذه المشاريع
ساهمت في خلق وظائف وتطوير بيئة الاستثمار، لكنها جاءت بتكاليف مالية كبيرة أثرت على الدين
العام وارتفاع الأسعار، مؤثرة على القدرة الشرائية للفئات الفقيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر شهد
تحرر أسعار الصرف وخفض الدعم، ما أدى إلى زيادة التضخم، مع الاعتماد على الدعم الدولي واتفاقيات
تمويلية مع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، واستثمارات خليجية. تقييم الأداء الاقتصادي يتطلب
النظر إلى التوازن بين النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، مع أهمية حماية الفئات الضعيفة من آثار
السياسات التقشفية.
الأمن ومكافحة الإرهاب: استقرار بثمن الحرية
أعطى عبد الفتاح السيسي أولوية للملف الأمني، مع التركيز على مواجهة الجماعات المتطرفة في سيناء،
وتعزيز الرقابة الأمنية، ومنح الأجهزة صلاحيات تنفيذية واسعة. أسفرت هذه السياسات عن استقرار
نسبي، لكنه صاحبه تراجع في حرية التعبير وحقوق الإنسان وفق تقارير منظمات دولية.
السياسة الخارجية: دور إقليمي مرن وتحالفات استراتيجية
سعى عبد الفتاح السيسي لتعزيز مكانة مصر على الساحة الإقليمية والدولية، عبر علاقات متوازنة مع الخليج،
تفاهمات مع روسيا والصين، ودور وساطي في الملفات الإقليمية مثل غزة وليبيا والسد الإثيوبي.
هذا الدور أكسب مصر قدرة على المناورة الدبلوماسية، لكنه يتطلب إدارة حذرة للتحالفات والتمويلات
الخارجية لتجنب المخاطر السياسية.
الرموز الثقافية: المتحف الكبير واستراتيجية الهوية الوطنية
استثمر عبد الفتاح السيسي الرموز الثقافية والتاريخية لتعزيز القوة الناعمة المصرية، حيث أصبح المتحف
المصري الكبير منصة لإبراز سيادة الدولة على تراثها، واستعادة الآثار المهربة هذه الجهود تمثل
معركة هوية وطنية أكثر من كونها جهودًا تراثية، وتعيد للمواطن المصري شعور الانتماء والفخر بتاريخ بلاده.

التوازن بين الإنجازات والحدود السياسية
نجاحات عبد الفتاح السيسي تشمل البنية التحتية، الاستقرار الأمني، ودور مصر الإقليمي، لكن تحقيق
الاستدامة يتطلب دمج مزيد من المساحات السياسية والمدنية، إدارة اقتصادية تقلل العبء
عن الفئات الفقيرة، وإصلاحات في مجال الحريات. قياس إرث السيسي تاريخيًا سيكون مرتبطًا
بقدرته على تحويل المكاسب الحالية إلى مؤسسات دائمة تعزز الاقتصاد المستدام، الأمن القائم
على القانون، والمجتمع المدني الفاعل.
السيسي ورؤية الحضارة المصرية
يرى عبد الفتاح السيسي أن بناء الطرق والجسور ليس كافيًا، بل بناء الوعي الوطني هو أساس قوة الأمم.
من خلال استعادة الآثار وإطلاق مشاريع ثقافية كبرى، يعزز الرئيس الفكرة أن مصر ليست دولة
تبحث عن تاريخها، بل دولة تمتلكه وتقدمه للعالم. هذا التوجه يضع السيسي كقائد يفهم التاريخ
كخطة للمستقبل وليس مجرد درس من الماضي.