مع قرب ذكرى الاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر 1973 تنشر الدوائر الرسمية
والإعلامية الإسرائيلية معلومات متضاربة ومغلوطة، حول ملابسات الهزيمة الساحقة
التي تلقاها الجيش الإسرائيلي في الملحمة التي نفذتها القوات المسلحة المصرية.
لكن اللافت كل عام هو محاولة إسرائيل تشويه صورة الدكتور أشرف مروان بنشر أكاذيب
حول طبيعة الدور الذي لعبه مروان في هذه الملحمة.
وعلى الرغم من اعتراف قيادات في شعبة الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي
بفشلهم الذريع في معرفة موعد حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن التراشق بين قيادات الموساد
وشعبة الاستخبارات العسكرية مستمر حتى الآن، وذلك الفشل الكبير لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
في معرفة موعد الحرب، وتلقيها ضربات قاصمة من الاستخبارات المصرية التي نفذت سلسلة
من حلقات الخداع الاستراتيجي التي أشادت بها دوائر الاستخبارات العسكرية في كافة دول العالم.
نشرت وسائل إعلام إسرائيلية معلومات تؤكد وجود تضارب لدى الجانب الإسرائيلى حول الرواية الحقيقية لأهم قضية تجسس فى القرن العشرين وهى قضية أشرف مروان
صهر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس الأسبق محمد أنور السادات لشئون المعلومات،
وباتت قصة حياة مروان مادة خصبة للإعلام الإسرائيلى خلال الخمسين عاما الماضية مع ترديد روايات متضاربة حول الرجل.
وترفض إسرائيل الاعتراف بأن أشرف مروان كان يعمل لصالح المخابرات المصرية
وأنه ساعد فى عملية الخداع الاستراتيجى التى سبقت حرب أكتوبر 1973.
وتحاول إسرائيل خلال السنوات الماضية تقديم رواية مغايرة لطبيعة الدور الذى لعبه أشرف مروان
من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسريب معلومات مضللة تحت عنوان “وثائق سرية”،
وذلك فى إطار استراتيجية الحرب المعلوماتية التى تقوم بها إسرائيل لنقل صورة مغايرة للجيل الحالى
بأن جهاز الموساد وقيادة الجيش الإسرائيلى لا يمكن خداعهم أبدا أو تضليلهم،
وبالتالى تعمل تل أبيب على استراتيجية لى الحقائق وتزييفها لتفنيد حقيقة مؤكدة
كما حدثت فى 1973 وهى هزيمة وسقوط إسرائيل وقيادتها السياسية والعسكرية سقوطا مدويا.
خداع إسرائيل وجعل من جهاز الموساد أضحوكة
كشف المؤرخ الإسرائيلى أهارون بيرجمان أول من كشف عن اسم أشرف مروان صراحة
فى كتابه “تاريخ إسرائيل” الذى صدر عام 2002، وأكد فيه كذلك أن “مروان” كان “بطلًا قوميًا مصريًا”
ساهم بقوة فى خداع إسرائيل وجعل من جهاز الموساد أضحوكة.
الكتاب الوثائقى الذى كتبه “أهارون بريجمان”، خبير التجسس، أثبت فيه بالوقائع أن أشرف مروان
بينما خدع الموساد الإسرائيلى وأنه كان يعمل لصالح المخابرات المصرية،
وتطرق إلى حجب مروان لمعلومات أهم بكثير مما كانت تسربه المخابرات المصرية للموساد بهدف تضلليهم عبر أشرف مروان.
كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا عن فيلم سينمائى يرصد حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية الراحلة
جولدا مائير خلال حرب السادس من أكتوبر، وذلك فى محاولة لتبرئة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابق
من الهزيمة التى ألحقها الجيش المصرى بالإسرائيليين.
كما يتطرق الفيلم إلى كواليس الساعات الأخيرة قبل حرب أكتوبر والاجتماعات والاتصالات
التى قامت بها جولدا مائير لإنقاذ إسرائيل من الفناء، ويشير الفيلم إلى تعرض تل أبيب
لخداع بتمرير معلومات مضللة من الجانب المصرى عبر أشرف مروان إلى الجانب الإسرائيلى حول موعد الحرب.
بينما تحرص إسرائيل الرسمية عبر وسائل إعلامها المكتوبة والمسموعة والمرئية على تضلل الشارع الإسرائيلى
بإظهار اشرف مروان فى صورة الخائن لوطنه كى تتغافل عن أهم عملية تجسس نفذها عميل مصرى
فى القرن العشرين، الأمر بالنسبة لإسرائيل فى الوقت الحالى هى نقل رسالة للجيل الجديد
بأن جهاز الموساد منذ نشأته لم يتعرض لأى خداع أو هزيمة وهى الصورة النمطية التى تعمل تل أبيب على ترسيخها فى جيل الشباب.
إلا أن الإعلام الإسرائيلى نفسه كشف فى تقارير عدة أن أشرف مروان مرر معلومات أرست شعورا
داخل الحكومة الإسرائيلية وقيادة الجيش الإسرائيلى بأن الجانب المصرى غير مستعد
لأى حرب فى العام 1973 نتيجة نقص فى الدعم اللوجيستى والفنى، وقد اضطرت جولدا مائير
لحجب معلومات عن لجنة “أجرانات” حول دور أشرف مروان خشية أن يفتضح أمر إسرائيل
كما يكشف عن مدى الضعف الكبير فى جهاز الموساد.
أشرف مروان عميلًا مصريًا بارعًا
فيما كتب المؤرخ الإسرائيلى “بريجمان” أن اشرف مروان عميلًا مصريًا بارعًا،
كما طرح ذلك بشكل مفصل من خلال ورقة فى مجلد صادر عن حرب أكتوبر فى أكسفورد عام 2013،
مفندا كافة الأكاذيب الإسرائيلية حول خيانة أشرف مروان لوطنه وعمله مع قيادة الموساد.
فيما اعترف مؤلف كتاب “اشرف مروان.. الملاك الذى أنقذ إسرائيل” أورى بار يوسف
بأن المعلومات التى نقله اشرف مروان لقيادة الموساد أثرت بشكل حاسم على سير المعارك
على الجبهة المصرية، وقال نصًا فى أحد الأفلام الوثائقية عن حرب أكتوبر “نعم.. نعم،
أثر ذلك على سير المعارك، حيث أصدر شموئيل جونين قائد المنطقة الجنوبية أوامره
لأطقم الدبابات الإسرائيلية بعدم التحرك من مرابطها فى سيناء إلى حافة القناة إلا فى الساعة الرابعة عصرًا
أى قبل الموعد الذى أخبرنا به مروان بساعتين حتى لا يعرف المصريون أن موعد الحرب قد سرب”.
وأما تضارب الروايات الإسرائيلية، تفشل القيادة الإسرائيلية مجدداً فى اثبات المزاعم التى نقلتها
حول اشرف مروان أو الإجابة على أسئلة محددة: لماذا لم تصدق تل أبيب الرواية
التى نقلها لهم أشرف مروان رغم المزاعم بأنه عميل للموساد ؟، والأهم من ذلك
بأى منطق صدقت تل أبيب أشرف مروان الذى اتصل بالسفارة الإسرائيلية فى لندن
طالبا التجسس لصالحهم ؟، والأهم من ذلك ما الذى يدفع إسرائيل للكشف عن هوية
واسم أشرف مروان إذا كان فعلا عميل للموساد وفق مزاعمهم
وهو ما يتعرض مع أهم قواعد العمل الاستخباراتي؟، سيأتى يوم وتخرج للنور القصة الكاملة
للدور البطولى الذى لعبه أشرف مروان وهى الرواية التى تخشى تل أبيب من روايته
والتى ستؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القيادة المصرية حققت نصرا استراتيجيا
واستخباريا ساحقا ضد إسرائيل فى ملحمة أكتوبر 1973.