ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، ودار موضوعها حول “أهمية الحفاظ على البيئة”.
وقال الدكتور محمود الهواري: إن الإسلام سبق الحضاراتِ الحديثةَ في العنايةِ بالبيئةِ ومكوناتها، والارتقاءِ بها، وحمايتِها من الفسادِ والتَّلوُّثِ، ولم يقف الأمر عند التوعية والتحذير من خطورة الممارسات الخاطئة مع مكونات البيئة، بل وضعِ تشريعاتٍ خاصَّةٍ للحفاظ على البيئة، ورسم ضوابط محكمة لاستثمار موارد البيئة، وكل ذلك جاء في شكل أوامر إلهيَّة، وسنن نبوية ملزمة للمسلمين بمقتضى الإيمان بالله، لتنظم علاقة الإنسان بالكون الذي هو مستؤمن عليه، والتي بينتها المؤلفات التي يحملها تراثنا الإسلامي والتي اختصت بدراسة البيئة ومظاهر حمايتها وطرق التعامل معها.
وأوضح “الهواري”، أن التفصيل الذي جاء به القرآن في الآيات التي اهتمت بالكون وكل مكوناته، دليل على أهميته وأن الحفاظ عليه وحسن استغلال مكوناته جزء من عقيدة المسلم، وهذا ما فهمه فقهاؤنا؛ ولذا كانت لهم جهود كثيرة في استنباط أحكام البيئة؛ فمن تأمل تراثنا وجد فيه أحكاما تحظر كل ما يؤدي إلى تلوث المياه، أو الإسراف في استعمالها، وترى في تراثنا أحكاما تتعلق بتلويث الهواء، وترى في تراثنا نهيا عن إفناء أمة من الحيوانات، أو التعرض لها بما يؤدي إلى انقراض نوعها، وترى في تراثنا أحكام تهجين الحيوان، أو ما يعرف بلغة العصر باسم الهندسة الوراثية، بل وتجد لعلماء أمتنا كلاما بديعا في الحفاظ على توازن الحياة النباتية، ومنع الزراعة الضارة بالجسم أو بالعقل.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر، إن جهود علماء الإسلام لم تقف عند استنباط الأحكام الجزئية التي ترعى البيئة وتحافظ على طهارتها وتبعد عنها أشكال التلوث والفساد، وإنما ظهر اهتمامهم واضحاً بدراسة عناصر الكون المختلفة في مؤلفات مستقلة لتنمية الوعي البيئي، وتفسير الظواهر الطبيعية، وإنك لتعجب حقا من عبقرية التراث الذي خصص كتبا مستقلة لمعالجة ظواهر كونية، أو بيئية، لا يتصور المجترءون على التراث أنها فيه، ومنها على سبيل المثال: كتاب الطير لأبي حاتم السجستاني، وكتاب الجراد لأحمد بن حاتم، وكتاب النحل للمدائني، وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، وكتاب البلاد والزرع للمفضل بن سلمة، وكتاب البستان لجابر بن حيان، وكتاب المنية في الزراعة لأبي عمرو الإشبيلي، وكتاب الجامع لصفات أشتات النبات للإدريسي، ومن أعجبها رسالة في آلات مقياس ارتفاع الغيوم والأبخرة للتبريزي، ورسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي، ورسالة في المد والجزر للكندي.
وبين خطيب الجامع الأزهر، أن التعامل مع البيئة ينبغي أن يكون وفق مراد الله بلا فساد ولا إفساد ولا تعد ولا ظلم لأي من مكوناتها، لأن الإسلام لا ينظر إلى الموجودات حولنا باعتبارها جمادات ساكنة أو ميتة لا تعي ولا تعمل، بل الإسلام يتعامل مع الإنسان والحيوان والنبات والجماد على أنها عوالم عابدة مسبحة، فيجب المحافظة عليها وحسن التعامل معها، فهي أمانة حملها الله للأنبياء وجعل المحافظة على البيئة من الأوامر الإيمانيَّة، فقال سبحانه وتعالى “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كنتم مؤمنيين”.