سميحة المناسترلي
إن ما يحدث في غزة اليوم قد فضح قصورنا ووجودنا في مساحة ضيقة غير مسئولة من التخبط، واختلاط الأمور على مجتمعاتنا وشعوبنا العربية، لا فرق بين مثقف وأمي، أو من يديرون مؤسسات القوة الناعمة، فمن العار أن لا نفرق بين رسالة الإبداع و المبدعين في طرح قضايا المجتمع، والمساندة في الشدائد، ورفع روح الإنتماء والعطاء لدى المواطن، واستخدام الدراما والفنون كسلاح قوى فعال مؤثر لحماية مقدرات الوطن، هذا كما كان أداة فاعلة منذ فجر التاريخ إلى الأمس القريب الذي قام بتمثيله نخب مؤثرة في الوجدان المصري والعربي مثل سيد درويش وعبدالحليم حافظ وأم كلثوم، وعمالقة التلحين والشعراء مثل أحمد رامي، صلاح جاهين ونزار قباني، بيرم التونسي والأبنودي، فاروق جويدة، القصبجي والموجي، وكمال الطويل، ومن المفكرين والأقلام الصحفية اللامعة والأدباء مع تعددت النخب ومنهم بالطبع الراحلون نجيب محفوظ وطه حسين ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم، أمين وهيكل وغيرهم كثيرون تركوا لنا ميراث عريض وعظيم من الأعمال، والفكر المتجدد من خلال مكتبة مصرية عربية فخيمة، بجانب إرث عراقي وسوري وغيره متنوع يزخر به تاريخ المنطقة .
من المؤسف أن هذا الإرث لم يتم الحفاظ عليه أوالإقتياد به منذ عقود، في زمن السوشيال ميديا للقضاء على ما تبقى داخل المجتمعات المصرية والعربية بالتلاعب بقيمة ومفهوم الإنتماء لدى المواطن، من ثم كان ما نراه الآن من بث الفتن بين الملايين من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي والتطبيقات الشيطانية لبث العداوة والفتن بين الأشقاء، وهنا حديثنا عن الشعوب وليس الحكومات- الفرق خطير جدا لو تعلمون- فالحكومات عندما تتبدل فهي تأتي من داخل الشعوب نفسها، فعلينا أن نتمسك بالرابط الوثيق بين الاطراف لاتحرك دائما كتلة واحدة واعية، لذلك يجب أن نمتلك الوعي اللازم لمواجهة اللجان الإليكترونية، والتمكن من معرفة الفرق بين ناشر الفتن وبين من يبث روح المودة والإنتماء، وعدم تشتيت انفسنا في قضايا فرعية وننشغل عن- القضية الرئيسية- فهذا هدف شياطين قوى الشر في مواجهة القوة الناعمة لمجتمعاتنا . واجب علينا ان نتماسك جميعا بالرغم من أي إختلاف في وجهات النظر، ويظل الإتفاق دائما على مبدأ الإخلاص والدفاع عن الوطن، والحق العربي كمنظومة واحدة وكيان واحد، إذا جرح جزء منه تألم له باقي الجسم، وعمل على مداواته، فهكذا تبنى وتقوى الأمم، وهكذا يجب أن يكون دور القوى الناعمة كسلاح قوي مدافع، صاحب رسالة حقيقية وقت الشدة والمعاناة، والدفاع والحماية، وهذا لا يتناقض مع دور الفن وقت السلم في الرقي بالذوق العام ونشر الوعي ويكون مرآة صادقة عاكسة لمشاكل المجتمع وقضاياه، أو تناولها بإسلوب ترفيهي ساخر أو جاد، من خلال أغنية أو دراما تليفزيونية، أو معارض فنون تشكيلية وابداعات مختلفة .
فإن ما نعانيه الآن من اختلافات وانتقادات ساخرة، ومواقف غاية في الخزي بهذا التوقيت الخطر الحرج من بعض رموز الفن وعناصر القوة الناعمة، فهو دلالة على السقوط في فجوة التخبط الثقافي للمفهوم الحقيقي للكلمة واختلال فاضح للموازين التى تمثل نبل رسالة الفن والقوى الناعمة من خلال شخصيات حسبت علينا .
واختتمت الكاتبة سميحة المناسترلي حديثها قائلة : “في اعتقادي أن زخم الضغوط الإقتصادية التى نعانيها ومستنقع التوجهات السياسية والحروب من حولنا سيكون له الفضل في سقوط الأقنعة وكشف الكثير من المواقف والشخصيات، وهذا سيؤدي إلى غربلة وتطهير المشهد من كل مدعي .. تحيا مصر وحفظ الله الوطن من كل مدعي وطامع وخائن .