انتشرت خلال الفترة الأخيرة الكثير من جرائم الابتزاز الإلكترونى نتيجة للاستخدام الهائل لوسائل الاتصال والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، لكن البعض يسيء استخدام هذه الوسائل من خلال التشهير بالحياة الشخصية للآخرين وتسريب معلومات وصور شخصية لهم، الأمر الذى يُلحق الأذى والضرر بهم، ويعد الابتزاز آحد الجرائم المستحدثة التى نتجت الكم الهائل من تدفق المعلومات وتطور شبكة الانترنت، والذى اصبح يتوسع بشكلٍ كبير ولم يعد مقصورا على التلاعب بالصور فقط بل تطور الى فبركة فيديوهات، فأصبح من الصعب على الشخص البسيط التمييز ما بين الحقيقى والمزيف، مما يخلف عن تلك الجرائم ضحايا قد يدفع بعضهم الى الرحيل وترك الوجع ينهش فى القلوب، لذا طالب بعض الحقوقيون والبرلمانيون بتشديد العقوبة وتغليظها وتدشين حملات كبيرة لتوعية المواطن بخطورة الجريمة الالكترونية، وفى هذا السياق فقد سادت حالة من الحزن والغضب فى المجتمع المصرى فى أعقاب انتحار طالبة الثانوى «بسنت خالد»، ابنة مركر كفر الزيات بمحافظة الغربية، والتى تعرضت للابتزاز من قبل شابين الأمر الذى أنهى حياة الفتاة التى لم تبلغ عقدها الثانى، حيث قادت الضغوط النفسية الفتاة البالغة من العمر ١٧ عامًا للإقدام على الانتحار بتناول حبة الغلال السامة والتى تعد أحد أشهر طرق الانتحار فى الريف المصرى.
بدأت قصة الفتاة «بسنت خالد» الطالبة بالصف الثانى الثانوى الأزهرى، خلال هذا الاسبوع، عندما انتشرت صورا مزيفة لها على مواقع التواصل الاجتماعى، ولكن يبدو أن هذه الصور تم التلاعب فيها بواسطة أحد برامج تعديل الصور الشهيرة، لتحاول الفتاة نفى الاتهامات الموجهة إليها من قبل أسرتها وأهل قريتها كفر يعقوب بدائرة مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، ومن هنا بدأت الأحداث تتوالى.
«اقسم بالله مش أنا».. رسالة بسنت المؤثرة لوالدتها
انهارت الفتاة بعد محاولات بائسة للتأكيد بأن الصور المنشورة على مواقع التواصل لا تخصها، لتدخل حجرتها الصغيرة وتكتب رسالة أوجعت كل من قرأها حيث كتبت موجهة الحديث لوالدتها: «ماما يا ريت تفهمينى أنا مش البنت دى، وإن دى صور متركبة والله العظيم وقسما بالله دى ما أنا.. أنا يا ماما بنت صغيرة مستاهلش اللى بيحصلى ده.. أنا جالى اكتئاب بجد، أنا يا ماما مش قادرة أنا بتخنق، تعبت بجد.. أنا متربية أحسن تربية يا ماما».
وبمجرد أن انتهت من كتابة الرسالة أقدمت على تناول قرص كيماوى يستخدم لحفظ الغلال «حبة الغلة السامة» لتلقى حتفها ضحية للابتزاز الإلكترونى، فبحسب ما ورد فى تقرير مفتش الصحة بالغربية فإن سبب الوفاة هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية نتيجة تناول حبة غلة.
«حالة نفسية سيئة”
وأكد والدها أنها كانت تعانى من حالة نفسية سيئة بسبب ابتزاز بعض الأشخاص عليها والتنمر ضدها وتشويه سمعتها من خلال صور مفبركة ونشرها وتداول صورها عبر أهالى القرية.
وكشفت شقيقتها «شاهيناز» تفاصيل انتحار بسنت قائلة: «والدها شاهد مقطع فيديو لها منتشر بين شباب القرية بدون وجهها، حيث ركبوا وجهها على صورة أخرى ونسبوا الصورة والفيديو لها، وقالت لوالدها إن هذه الصور دى مفبركة»، مضيفة أن شقيقتها دخلت تصلى فى حجرتها وأخذت حبة الغلة السامة خاصة عندما تنمر مدرس عليها فى درس خصوصى وقال لها انتى تريند رقم واحد أكتر من بتاع شيماء.
وباشرت نيابة كفرالزيات التحقيق فى البلاغ المقدم من أسرة بسنت خالد، باتهام شابين بنشر صور مفبركة لها مما أثر على حالتها النفسية واقدامها على تناول حبة غلة للتخلص من حياتها، وأسفرت جهود فريق البحث الجنائى عن ضبط المتهمين وهما «ا ا» و«ع. ش»، حيث باشرت النيابة العامة التحقيق معهما.
ضحية أخرى للابتزاز الإلكترونى فى الهرم
كانت هناك ضحية جديدة للابتزاز الإلكترونى عندما انهت فتاة حياتها، وذلك بعد ابتزاز شخص لها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بعدما طلب الشاب منها ان ترسل له صورا عارية، الا انها رفضت طلبه، وعلى اثر ذلك هددها بابلاغ اهلها بانه يمتلك صورا جنسية وفاضحة لها، وسيقوم بارسالها لاهلها ونشرها على منصات السوشيال ميديا، مما دفع الفتاة إلى إنهاء حياتها خوفًا من الفضيحة.
«الشات القاتل» فى بولاق الدكرور
وتكرر الأمر نفسه بمنطقة بولاق الدكرور فى الجيزة، فى مشهد مأساوى عندما تسبب شاب فى انتحار إحدى الفتيات بسبب نشر صورا لها على «فيس بوك»، فبعدما نشأت بينهما قصة غرامية عبر «الشات» ابتزها الشاب ونشر صورا لها وتركيبات على هذه الصور بشكل فاضح أدى إلى انتحار الفتاة.
«إرهاب إلكتروني»
وأكدت نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصرى لحقوق المرأة، أن بسنت ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ضمن سلسلة من ضحايا كثر للابتزاز الإلكترونى، مشيرة إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية يجرم أى شكل من أشكال استخدام الصور سواء بالنشر دون وجه حق أو فبركتها وتزييفها. وأضافت أبو القمصان أن انتحار بسنت قضية تتضمن جريمة مركبة الأولى هى استخدام الصور وفبركتها وعقوبتها تصل للغرامة أو الحبس، والجريمة الثانية هى الابتزاز بل من الممكن أن تصل إلى الإرهاب الذى أدى لانتحار الفتاة، مشددة على أن هذا النوع يسمى الإرهاب الإلكترونى، والذى دفع فتاة فى عمر ١٧ عامًا للانتحار.
ودعت أى شخص يتعرض للابتزاز أو أية جريمة إلكترونية إلى التوجه إلى وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية فى مختلف محافظات مصر، للإبلاغ عن أية جرائم إلكترونية، وكذلك الأمر فى مباحث الإنترنت.
«أهمية الدعم النفسى للشخص الذى تعرض للابتزاز»
ومن جهته قال الدكتور محمد الشامى، أستاذ الطب النفسى، إن الدعم النفسى أمر فى غاية الأهمية فى هذه المواقف التى يكون فيها الشخص محاط بالاتهامات والشكوك، حتى لا يقدم على القيام بمثل هذه النهايات الصعبة.
وأكد الشامى أن القضية تبدأ بالتعامل الصحيح مع الواقعة، فمن يتعرض للابتزاز يجب أن يسرع لمصارحة أسرته وأهله ليكونوا سندا ودعمًا له ويساعدوه، إلا أنه للأسف يتعرض الكثير من الفتيات للابتزاز ويرضخن لها بعدما يستسلمن بسهولة ويقدمن تنازلات. ودعا الخبير النفسى إلى ضرورة العمل على إيجاد اجراءات تحد من شرور مواقع التواصل الاجتماعى، التى تفتح بابا أمام التشهير والابتزاز للمواطنين، فبالرغم من سهولة توجيه الاتهامات على السوشيال ميديا إلا أنه أصبح من الصعوبة نفيها ونحتاج لوقت ومجهود كبير للتصدى لحالات الابتزاز والتشهير.
لابد من تغليظ العقوبة
وفى ذات السياق أعلنت آمال عبدالحميد، عضو مجلس النواب عن محافظة الغربية، تقدمها بمقترح برلمانى إلى رئيس الوزراء ووزير العدل لإعادة النظر فى العقوبات المقررة على جريمة «الابتزاز الإلكترونى» لتحقيق الردع المرجو منها.
وأوضحت «عبدالحميد»، أن واقعة فتاة الغربية «بسنت» التى تبلغ من العمر ١٧ عامًا، بمثابة جرس إنذار وتدق ناقوس الخطر.
عقوبة جريمة الابتزاز الإلكتروني
وأشارت نائبة البرلمان إلى أن جريمة الابتزاز الإلكترونى من الجرائم المستحدثة والتى طفت على سطح المجتمع المصرى تقوم على تهديد الضحايا، من خلال نشر صور فاضحة أو أخبار شخصية مفبركة، أغلب ضحاياها من الفتيات، يهدف مرتكبها من ورائها الحصول على مكاسب مادية أو غير أخلاقية، الأمر الذى يحتم علينا إعادة النظر فى العقوبة المقررة على هذه الجريمة، حيث أنها غير كافية ولا تحقق الردع المرجو منها.
ولفتت إلى أن المادة ٢٥ من قانون العقوبات، نصت على معاقبة من يعتدى على «المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة بالحبس مدة لا تقل عن ٦ أشهر وغرامة لا تقل عن ٥ آلاف جنيه، ولا تجاوز ١٠٠ ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، إلا أنها تحتاج إلى تغليظ.
«ماذا تفعل إذا تعرضت للابتزاز الالكتروني»؟
ومن جهتها وجهت المحامية مها أبو بكر، نصائح للفتيات للتعامل مع الابتزاز الإلكترونى ومواجهته، قائلًة: «لازم أول حاجة متخافش وتعرف أنها الضحية، وإبلاغها عن القضية يعتبر موقف إيجابى تحمى فتيات قد تتعرض لمثل ما تتعرض له».
وتابعت، أنه يوجد أكثر من طريقة لتقوم الأسر بالإبلاغ عن هذا الإبتزاز، أولهم الاتصال بخط ١٠٨ والمتعلق بجرائم الإنترنت وتقنية المعلومات، ثم الإتصال بأى قسم شرطة، أوالإبلاغ عن طريق خدمة الواتس أب للنائب العام، أو الذهاب إلى مباحث الإنترنت.
نصائح للحد من الابتزاز الإلكتروني
كما قدم المهندس وليد عبد المقصود خبير الامن المعلوماتى، بعض النصائح بشكل عام والتى تحمى من خطر الابتزاز وجاء ابرزها، عدم قبول اى طلبات للصداقة من اى شخص غير معروف فى الحقيقة، وعدم الرد والتجاوب على رسائل مصادر واشخاص غير معروفة، مع ضرورة تجنب مشاركة الصور الخاصة على السوشيال ميديا والتقليل منها بقدر المستطاع حتى مع المقربين لان حساباتهم قد تخترق وتؤثر على صورك أنت، التجنب التام لمحادثات الفيديو مع اى اشخاص غير موثوقين فيه او غير معروفين والسماح بحالة مكالمات الاسرة الخاصة جدا واجتماعات العمل، والتأكد من ظهورنا بشكل مقبول.