يرى كثيرون في فرنسا أن مباراة المنتخب المغربي ونظيره الفرنسي أكثر من مجرد لعبة في بطولة عالمية ،
وإنما مواجهة للتاريخ “تغربل” توجّهات مزدوجي الجنسية الفرنسية والمغاربة المقيمين في البلاد، على حد تعبيرهم.
أيهما سيلقي الدعم وهل يمكن تشجيع أحد المنتخبين دون “خيانة” الآخر؟ وكيف يفسّر الغرب الحماسة الكبيرة التي تحيط بالمنتخب المغربي،
سواء في الوطن العربي، أو في دول أفريقية أخرى؟
وهناك أسئلة كثيرة تحيط بمجريات هذا الحدث الرياضي المرتقب، وعناوين عريضة على وسائل الإعلام الفرنسية تحلّل كل التعليقات المشجعة لكلا الفريقين.
“عندما يلعب المغرب.. الجذور هي التي تقرر”
مثله كحال العديد من الفرنسيين من أصول مغربية أو مزدوجي الجنسية؛ أعرب الفنان إيلي سيمون عن سعادته بتأهل المنتخبين إلى نصف النهائي.
بينما في مقابلة مع صحيفة “لوباريسيان” (Le Parisien)، قال سيمون “أحب كرة القدم وأدعم بلدي فرنسا، البلد الذي وُلدت فيه.
لكن لدي دماء مغربية تتدفق في عروقي من جهة والدي، وعائلتي وأصدقائي في المغرب”.
ولم يُخفِ سيمون فخره بما حقّقه أسود الأطلس في هذه المرحلة من المنافسة، مشيرًا إلى أنه سيكون حزينًا إذا خسروا المواجهة.
وفي سياق آخر ، اعترف الممثل الكوميدي المعروف جاد المالح أن قلبه كان يتأرجح بين المغرب -بلد الأصل-
وكندا التي وُلد فيها، وفرنسا التي أسهمت وشهدت على نجاحاته الأولى.
ومثل كل المغاربة، يأمل المالح أن يرى فريق بلده الأم يفوز “عندما يلعب المغرب،
فهذا يعني أن الجذور هي التي تتحدث. أفخر برؤية المشجعين يرفعون علم المغرب”.
وأضاف أن الكثير من الناس سيجدون أنفسهم في مأزق؛ لأن الاختيار بين الاثنين أمر صعب للغاية.
“الاختيار بين أبي وأمي”
ومن جانبه، أقرّ الممثل الفرنسي جمال دبوز -لأبوين مغربيين- أن الاختيار بين المنتخبين أمر صعب،
وقال في حوار له مع قناة “بي إن سبورتس” مرتديًا قميص المنتخب المغربي “سيكون الأمر كما لو كان والدي يلعب ضد والدتي”.
وكان دبوز قد زار مقر إقامة منتخب المغرب -برفقة اللاعب الفرنسي كيليان مبابي- الاثنين الماضي، عشية المباراة ضد إسبانيا في ثمن نهائي كأس العالم.
ومن الواضح أن اللاعب الفرنسي الدولي السابق عبد اللطيف بنعزي، وقع في الحيرة نفسها،
قائلًا “إنه حدث لمواجهة تاريخية! ومن الناحية الرمزية فهو كأنما عليّ الاختيار بين أبي وأمي”.
وفي حوار لصحيفة “سود ويست” (sud ouest)، أشار بنعزي إلى أهمية هذه المباراة بالتحديد،
خاصة وأن معظم اللاعبين المغاربة يلعبون في فرنسا، كما أن المدرب وليد الركراكي تلقّى تكوينه في فرنسا، ولعب لعدد من أنديتها.
وقال بنعزي إنه يأمل في فوز المغرب، مضيفًا “فرنسا هي المرشحة للفوز، لكنها فازت مرتين بالكأس، لذا فبإمكانهم ترك هذا اللقب للمغرب هذه المرة”.
بدوره استذكر أيقونة المنتخب المغربي السابق مصطفى حاجي -الاثنين على موقع “آر إم سي” (RMC)-
أهمية العلاقة الوثيقة بين البلدين، منتقدًا الأشخاص الذين يخلطون السياسة مع الرياضة.
وقال حاجي “لقد نشأت في فرنسا، وأنا مدين لها بكل ما حصلت عليه حتى الآن.
وما يهمني هو الاستمتاع بمباراة اليوم. وسواء في باريس أو في الرباط، يجب على الجماهير أن تحتفل”.
المنتخب لا يلعب للمغرب فقط
في الأسواق والشارع ومكان العمل، يحتدم الجدل بين الفرنسيين من أصل مغربي حول تأييد أحد المنتخبين في نصف نهائي مونديال قطر 2022.
وقال كريم “لقد ولدت في فرنسا ووالدي من أصل مغربي. أشجع كلا المنتخبين
لكن قلبي يميل إلى أسود الأطلس؛ لأن الزُرق اعتادوا الفوز وسيكون من الجميل رؤية المغاربة يحملون كأس العالم هذه المرة ومتعة المواجهة مطلوبة “.
وعند سؤالها عن اختيارها، أجابت فاطمة “سأحمل العلم الفرنسي؛ لأنه البلد الذي وُلدت فيه،
وعلم والدي وأصولي المغرب”. وأضاف والدها “بغض الطرف عن النتيجة، سنكون سعداء لكلا الفريقين.
حتى وإن لم نحقّق الفوز، فنحن استطعنا صنع التاريخ، وهذا الأهم”.
وبالفعل، يمكن الإحساس بمدى فخر الجالية المغربية والعربية في فرنسا بالإنجاز الذي حقّقه أسود الأطلس.
وعلّق أحمد -وهو فرنسي من أصل مصري- قائلًا “فوز المغرب يترجم مشاعر كل العرب. لقد أحيوا بداخلنا معنى الوحدة العربية والالتفاف حول أمل واحد”.
من جهة أخرى، لم يتردّد بعض المتابعين من انتقاد “ازدواجية المعايير المجتمعية” قبل مباراة المنتخبين اليوم؛
حيث قال أحدهم “لا أريد الخوض في تفاصيل كثيرة عن الحياة هنا، لكن إذا كانوا يدعمون المغرب، فهذا يعني أنهم ليسوا فرنسيين حقًا”.